الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***
الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهُ بِحَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً وَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهَا أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَا لَمْ يُخْلَقْ وَعَلَى مَا لَيْسَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَعْطِ الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ} وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْت خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ - أَيْ أَعْطَى بِي الذِّمَامَ - وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا وَاسْتَوْفَى مِنْهُ عَمَلَهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ}. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ) حَتَّى لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ حَائِلٌ أَوْ مَنَعَهُ مَانِعٌ، أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِوَضُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَعْقُودَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الِاسْتِبَاحَةِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَالْمَهْرُ لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَسْلِيمِهَا حَائِلٌ، أَوْ مَاتَتْ عَقِيبَ الْعَقْدِ، ثُمَّ التَّمْلِيكَاتُ نَوْعَانِ تَمْلِيكُ عَيْنٍ وَتَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ فَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ نَوْعَانِ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ نَوْعَانِ أَيْضًا بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ حَتَّى تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً، وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبَدَلِهِ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ، وَالْمَبِيعِ، ثُمَّ الْأُجْرَةُ إذَا كَانَتْ دَرَاهِمَ شُرِطَ فِيهَا بَيَانُ الْمِقْدَارِ وَيَقَعُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ. وَفِي الْيَنَابِيعِ تَقَعُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْغَلَبَةُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ إلَّا إنْ يُبَيَّنَ أَحَدُهَا، وَإِنْ كَانَتْ كَيْلِيًّا، أَوْ وَزْنِيًّا، أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَوْضِعِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَيُسَلِّمُهُ عِنْدَ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْأَجَلِ. فَإِنْ بَيَّنَ الْأَجَلَ صَارَ مُؤَجَّلًا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ عُرُوضًا أَوْ ثِيَابًا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَالْأَجَلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا فَيُرَاعَى فِيهَا شَرَائِطُ السَّلَمِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعَبِيدِ، وَالْجَوَارِي وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً مُشَارًا إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَنْفَعَةً فَعَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ كَالسُّكْنَى بِالرُّكُوبِ أَوْ الْمُزَارَعَةِ بِاللُّبْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِخِدْمَةِ عَبْدٍ جَازَ، وَأَمَّا إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى، أَوْ رُكُوبَ دَابَّةٍ بِرُكُوبِ دَابَّةٍ أُخْرَى، أَوْ زِرَاعَةَ أَرْضٍ بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَنَافِعِ بِالْمَنَافِعِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِجِنْسِهَا، أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا يَخْدُمُهُ شَهْرًا بِخِدْمَةِ أَمَتِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّسَاءَ لَا يَجُوزُ فِي الْجِنْسِ فَإِنْ خُدِمَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُخْدَمْ الْآخَرُ قَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَآجَرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ يَخِيطُ مَعَهُ شَهْرًا عَلَى أَنْ يَصُوغَ نَصِيبَهُ مَعَهُ فِي الشَّهْرِ الدَّاخِلِ لَمْ يَجُزْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّصِيبَيْنِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ مُتَّفِقَانِ فِي الصِّفَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْعَمَلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَبْدَيْنِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ. (قَوْلُهُ: وَمَا جَازَ أَنْ يَكُون ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُون أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ)؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَيُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً كَالْحَيَوَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُنْعَكِسٍ وَكَذَا اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَنَافِعُ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ لِلسُّكْنَى، وَالْأَرَضِينَ لِلزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ)؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الدُّورِ، وَالْأَرْضِ لَا تَكُونُ مَعْلُومَةً إلَّا بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِيهَا فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: شَهْرٌ، وَالْآخَرُ: أَكْثَرُ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ. (قَوْلُهُ: أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ) يَعْنِي طَالَتْ، أَوْ قَصُرَتْ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَهَذَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَوْقُوفَةً اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الْمُتَوَلِّي إلَى طَوِيلِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ السِّعْرُ بِحَالِهِ لَمْ يَزْدَدْ وَلَمْ يَنْتَقِصْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ غَلَى أَجْرُهُ مِثْلَهَا فَإِنَّهُ يَفْسَخُ ذَلِكَ وَيُجَدِّدُ الْعَقْدَ ثَانِيًا، وَفِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا بِأَنْ كَانَتْ مَزْرُوعَةً فَإِنَّهَا إلَى وَقْتِ الزِّيَادَةِ يَجِبُ فِيهَا مِنْ الْمُسَمَّى بِقَدْرِهِ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ يَجِبُ أَجْرُ مِثْلِهَا، وَأَمَّا إذَا نَقَصَتْ أُجْرَتُهَا أَيْ رَخُصَتْ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ. وَفِي الْهِدَايَةِ الْإِجَارَةُ فِي الْأَوْقَافِ لَا تَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَيْ لَا يَدَّعِيَ الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكَهَا فَإِنْ أَجَّرَ الْوَقْفَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَلَمْ تَزْدَدْ الرَّغَبَاتُ وَلَا غَلَا السِّعْرُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ أَمَّا إذَا ازْدَادَتْ الرَّغَبَاتُ وَغَلَا السِّعْرُ فُسِخَتْ وَيُجَدَّدُ الْعَقْدُ بِالزَّائِدِ وَيُؤْخَذُ فِيمَا مَضَى بِقَدْرِ الْمُسَمَّى وَعَلَى هَذَا أَرْضُ الْيَتِيمِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ بِالزِّيَادَةِ عِنْدَ الْكُلِّ أَمَّا إذَا زَادَ وَاحِدٌ فِي أُجْرَتِهَا مُضَارَّةً فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْحَوَانِيتِ الْمَوْقُوفَةِ. (قَوْلُهُ: وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّسْمِيَةِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى صَبْغِ ثَوْبٍ، أَوْ خِيَاطَتِهِ، أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ أَوْ يَرْكَبَهَا مَسَافَةً سَمَّاهَا)؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الثَّوْبَ أَنَّهُ مِنْ الْقُطْنِ، أَوْ الْكَتَّانِ، أَوْ الصُّوفِ، أَوْ الْحَرِيرِ وَبَيَّنَ لَوْنَ الصِّبْغِ وَقَدْرَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ أَنَّهَا فَارِسِيَّةٌ، أَوْ رُومِيَّةٌ وَبَيَّنَ الْقَصَارَةَ أَنَّهَا مَعَ النَّشَا أَوْ دُونَهُ وَبَيَّنَ الْقَدْرَ الْمَحْمُولَ عَلَى الدَّابَّةِ وَجِنْسَهُ، وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا، أَوْ يَتَلَقَّاهُ فَهُوَ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ مَوْضِعًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ التَّشْيِيعَ يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ، وَالْبُعْدِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَبْلُغَ عَلَيْهَا مَنْزِلَهُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَنْقَضِيَ الْإِجَارَةُ بِبُلُوغِهِ إلَى أَدْنَى الْكُوفَةِ وَعَلَفُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَسَقْيُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ فَإِنْ عَلَفَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَفَهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ قَدْرَ ذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالْبَدَلُ الْمَجْهُولُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ بِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّتَهُ بِعَلَفِهَا لَمْ يَجُزْ لِجَهَالَةِ الْأُجْرَةِ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً لِلْخِدْمَةِ، أَوْ لِلطَّبْخِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ لِمَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ: وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ، وَالْإِشَارَةِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَنْقُلَ لَهُ هَذَا الطَّعَامَ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ) قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَمَا لَمْ يَحُطَّ الطَّعَامَ مِنْ رَأْسِهِ لَا تَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا شَهْرًا فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ حَصَلَ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى الْهِلَالِ فَإِذَا انْسَلَخَ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَإِنْ كَانَ حَصَلَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً إنْ وَقَعَ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ وَقَعَ عَلَى تِلْكَ السَّنَةِ كُلِّهَا بِالْأَيَّامِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ بِالْأَيَّامِ بِحَسَبِ مَا بَقِيَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَيَكْمُلُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَثْوَارًا لِلْحَرْثِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهَا بِالْعَمَلِ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِيَحْرُثَ لَهُ أَرْضًا مَعْلُومَةً يُعَيِّنُهَا، أَوْ يُقَدِّرُهَا بِالْمُدَّةِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْرُثَ عَلَيْهِ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ شَهْرًا وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ مَعَ هَذَا مَعْرِفَةَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ (مَسْأَلَةٌ): اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أُجْرَةِ الْعَوْنِ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْقَاضِي مَعَ الْمُدَّعِي إلَى خَصْمِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ وَكَذَا السَّارِقُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فَأُجْرَةُ الْقَاطِعِ وَثَمَنُ الدُّهْنِ الَّذِي يَحْسِمُ بِهِ الْعُرُوقَ عَلَى السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهُ سَبَبُ وُجُوبِهَا وَهُوَ السَّرِقَةُ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا) الْحَوَانِيتُ هِيَ الدَّكَاكِينُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى فَتَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَصَارَتْ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ نَوْعِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْحَدَّادَ، وَالْقَصَّارَ وَالطَّحَّانَ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُ الدَّارِ جَازَ وَيَعْنِي بِالطَّحَّانِ رَحَى الْمَاءِ وَرَحَى الثَّوْرِ لَا رَحَى الْيَدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُمْنَعُ مِنْ الْكُلِّ وَقِيلَ إنْ كَانَ رَحَى الْيَدِ يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ مُنِعَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي الْحَلْوَانِيُّ، وَأَمَّا كَسْرُ الْحَطَبِ فَلَا يُمْنَعُ عَنْ كَسْرِ الْمُعْتَادِ مِنْهُ وَقِيلَ يُمْنَعُ مِنْهُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَلَهُ أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ بِنَفْسِهِ وَيُسْكِنَ غَيْرَهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا فَإِذَا قَبَضَهَا ثُمَّ أَجَّرَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا أَجَّرَهَا بِمِثْلِ مَا اسْتَأْجَرَهَا، أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ أَجَّرَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهَا جَازَ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ جِنْسِ الْأُولَى لَا يَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهَا طَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ فَإِنْ كَانَ زَادَ فِي الدَّارِ شَيْئًا كَمَا لَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ طَيَّنَهَا، أَوْ أَصْلَحَ أَبْوَابَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْ حِيطَانِهَا طَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ، وَأَمَّا الْكَنْسُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ زِيَادَةً وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مَنْ شَاءَ إلَّا الْحَدَّادَ، وَالْقَصَّارَ وَالطَّحَّانَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْقُولًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُولٍ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْقُولًا لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ وَأَرَادَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْبَيْعِ وَقِيلَ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ، وَإِذَا أَجَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ، أَوْ الْأَرْضَ مِمَّنْ آجَرَهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا وَكَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، ثُمَّ إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ)؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِالشِّرْبِ وَالسُّلُوكِ إلَيْهَا فَصَارَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَاهَا وَلَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، أَوْ الْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ رِيِّهَا إذَا كَانَتْ مُعْتَادَةً لِلرِّيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَزْرَعُ بِهِ بَعْضَهَا فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَنْقُضْهَا وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا رَوَى مِنْهَا كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا، أَوْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ) يَعْنِي أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ مَا لَمْ يَزْرَعْهَا أَمَّا لَوْ زَرَعَهَا وَمَضَتْ الْإِجَارَةُ صَحَّتْ وَلَزِمَهُ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا وَحَمَلَ عَلَيْهَا حَمْلًا مُتَعَارَفًا فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَإِنَّ لَهُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ عَطِبَتْ فِي الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا شَيْئًا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا وَلَا قَالَ عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَ فَإِنْ زَرَعَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا قَبْلَ الْفَسْخِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ وَلِلْمُؤَجِّرِ الْمُسَمَّى مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَشَاءُ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السَّاحَةَ لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا، أَوْ شَجَرًا فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَزِمَهُ قَلْعُ ذَلِكَ وَيُسَلِّمُهَا فَارِغَةً) لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلزَّرْعِ فَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِيهَا زَرْعٌ فَإِنَّهَا تَبْقَى بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُمْكِنُ تَوْفِيَةُ الْحَقَّيْنِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْغَرْسِ وَالشَّجَرِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِيهَا ثَمَرٌ فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى إدْرَاكِهِ بِالْأُجْرَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى كَذَا فِي الْقَاضِي، وَإِنْ انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ، وَفِي الْأَرْضِ رَطْبَةٌ فَإِنَّهَا تُقْلَعُ؛ لِأَنَّ الرِّطَابَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَأَشْبَهَتْ الشَّجَرَةَ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَخْتَارَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا وَيَكُونَ لَهُ) إنَّمَا يَكُونُ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ فَحِينَئِذٍ يَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ فَلَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ عَلَى حَالِهِ فَيَكُونَ الْبِنَاءُ لِهَذَا، وَالْأَرْضُ لِهَذَا)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ أَنْ لَا يَسْتَوْفِيَهُ وَيَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ لِلرُّكُوبِ، وَالْحَمْلِ)؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَهَا مَنْ شَاءَ) عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ لَكِنْ إذَا رَكِبَ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَرْكَبَ وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى رُكُوبِهِ فَإِنْ رَكِبَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ مَا عُيِّنَ رَاكِبُهَا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَأَطْلَقَ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اللُّبْسِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا فُلَانٌ، أَوْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ فُلَانٌ فَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ، أَوْ أَلْبَسَ الثَّوْبَ غَيْرَهُ كَانَ ضَامِنًا إنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ، أَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ) لِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ فَصَحَّ التَّعْيِينُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فَأَمَّا الْعَقَارُ وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ سَاكِنًا فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ) لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَمَّى قَدْرًا، أَوْ نَوْعًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ أَوْ أَقَلُّ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ) لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، أَوْ لِكَوْنِهِ خَيْرًا مِنْ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مِثْلَ كَيْلِ الْحِنْطَةِ شَعِيرًا لَا وَزْنًا وَبَعْضُهُمْ سَوَّى بَيْنَ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ شَعِيرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً فَعَطِبَتْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ أَثْقَلُ مِنْ الشَّعِيرِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا شَعِيرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا فِي أَحَدِ الْجَوْلَقَيْنِ حِنْطَةً، وَفِي الْآخَرِ شَعِيرًا فَعَطِبَتْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ وَنِصْفُ الْأُجْرَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ كَالْمِلْحِ، وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ) لِأَنَّ ضَرَرَ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قُطْنًا سَمَّاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا) لِأَنَّهُ أَضَرُّ بِالدَّابَّةِ فَإِنَّ الْحَدِيدَ يَقَعُ مِنْ الدَّابَّةِ عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهَا، وَالْقُطْنُ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِهَا فَكَانَ أَخَفَّ عَلَى الدَّابَّةِ وَأَيْسَرَ فَإِنْ هَلَكَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِحَمْلِهِ صَارَ مُخَالِفًا فَصَارَ كَالْغَاصِبِ كَذَا فِي الْقَاضِي، وَأَمَّا إذَا سَلِمَتْ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ الْحَدِيدَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ قُطْنًا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا آخَرَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا) يَعْنِي مَعَ الْأُجْرَةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَهُمَا أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ ضَمِنَ كُلَّ الْقِيمَةِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَأَرْدَفَ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرْدَفَ صَبِيًّا لَا يَسْتَمْسِكُ ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ فَهُوَ كَالرَّجُلِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ الثِّقَلُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ يَضُرُّهَا حَمْلُ الرَّاكِبِ الْخَفِيفِ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ) لِأَنَّهَا عَطِبَتْ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ وَالسَّبَبُ الثِّقَلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا إلَّا إذَا كَانَ حِمْلًا لَا تُطِيقُهُ مِثْلُ تِلْكَ الدَّابَّةِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كُلَّ قِيمَتِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ أَصْلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ عَادَةِ طَاقَةِ الدَّابَّةِ قَالَ فِي شَرْحِهِ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ. وَقَوْلُهُ " الثِّقَلِ " بِكَسْرِ الثَّاءِ وَتَحْرِيكِ الْقَافِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان فَجَاوَزَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا وَبِالْخِلَافِ صَارَ ضَامِنًا، ثُمَّ إذَا عَادَ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَى صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأُجْرَةُ لِلذَّهَابِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلْمَجِيءِ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ الْمَكَانَ صَارَ مُخَالِفًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَالْأُجْرَةُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْحِيرَةِ فَجَاوَزَ بِهَا إلَى الْقَادِسِيَّةِ، ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْحِيرَةِ فَنَفَقَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ وَكَذَا الْعَارِيَّةُ فَقِيلَ: تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا لِيَنْتَهِيَ الْعَقْدُ بِالْوُصُولِ إلَى الْحِيرَةِ فَلَا يَصِيرُ بِالْعَوْدِ مَرْدُودًا إلَى يَدِ الْمَالِكِ مَعْنًى أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ وَقِيلَ الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَانِ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَذْهَبْ بِهَا وَجَلَسَ فِي دَارِهِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَعَطِبَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِحَبْسِهِ لَهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَهَا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ فَرَكِبَهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَذَهَبَ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ إنْ كَانَ النَّاسُ يَسْلُكُونَهُ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا، وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ. وَإِذَا لَمْ تَهْلِكْ وَبَلَغَ الْمَوْضِعَ الْمَعْلُومَ، ثُمَّ رَجَعَ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَى صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ لِيَرْكَبَهَا فَذَهَبَ بِهَا وَلَمْ يَرْكَبْهَا وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهَا شَيْئًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا لِيَسْكُنَهَا فَسَلَّمَ الْمَفَاتِيحَ إلَيْهِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ سَوَاءٌ سَكَنَهَا، أَوْ لَمْ يَسْكُنْ إلَّا إذَا مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ سُلْطَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا عَطِبَتْ الدَّابَّةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، أَوْ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا خِلَافٍ وَلَا جِنَايَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ، أَوْ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا عُرْيًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا إلَّا عُرْيًا وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ لَمْ يَرْكَبْهَا عُرْيًا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْحَمْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْكَبَهَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلرُّكُوبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَتَاعًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَيْهَا، وَلَا يَتَّكِئُ عَلَى ظَهْرِهَا بَلْ يَكُونُ رَاكِبًا عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ فَإِنْ انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ رَدُّ الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ صَاحِبِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي إمْسَاكِهَا فَلَزِمَهُ الرَّدُّ فَإِنْ حَبَسَهَا فِي بَيْتِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَتِهَا حَتَّى تَلِفَتْ إنْ كَانَ حَبَسَهَا لِعُذْرٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ) (كَبَحَ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا) أَيْ جَذَبَهَا إلَى نَفْسِهِ بِعُنْفٍ. (أَوْ ضَرَبَهَا فَعَطِبَتْ) (ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ مِنْهُ فِعْلًا مُتَعَارَفًا، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُعْتَادٍ، أَوْ كَبَحَهَا كَبْحًا غَيْرَ مُعْتَادٍ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا بِخِلَافِ الْمُعَلِّمِ إذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ بِدُونِ الْإِذْنِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِإِمْكَانِ التَّعْلِيمِ بِلَا ضَرْبٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ وَالتَّمْيِيزِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا فِي الْمُعَلِّمِ، وَالْأُسْتَاذِ الَّذِي يُسَلَّمُ إلَيْهِ الصَّبِيُّ فِي صِنَاعَةٍ إذَا ضَرَبَاهُ بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ، أَوْ وَصِيِّهِ فَمَاتَ ضَمِنَا، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَاهُ بِإِذْنِ الْأَبِ، أَوْ الْوَصِيِّ لَمْ يَضْمَنَا وَهَذَا إذَا ضَرَبَاهُ ضَرْبًا مُعْتَادًا يُضْرَبُهُ مِثْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ضَمِنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَ الْأَبُ ابْنَهُ فَمَاتَ ضَمِنَ وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ لِلتَّأْدِيبِ فَمَاتَ ضَمِنَ وَلَا يَرِثَانِ وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنَانِ وَيَرِثَانِ وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ لِنُشُوزٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَمَاتَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ إجْمَاعًا وَلَا يَرِثُ وَلَوْ وَطِئَهَا فَمَاتَتْ مِنْ وَطْئِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا إذَا أَفْضَاهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْوَطْءِ فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ مَاتَتْ مِنْ وَطْئِهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ أَفْضَاهَا، وَالْبَوْلُ لَا يَسْتَمْسِكُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ فَثُلُثُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ، وَأَمَّا إذَا كَسَرَ فَخِذَهَا فِي حَالَةِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ كَسْرَ الْفَخِذِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ حَادِثٍ مِنْ الْوَطْءِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَالْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَجِيرٌ مُشْتَرَكٍ وَأَجِيرٍ خَاصٍّ، فَالْمُشْتَرَكُ كُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ)؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ مَنْ يَعْمَلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِعَمَلِهِ وَكَذَلِكَ الْخَيَّاطُ وَالصَّبَّاغُ. (قَوْلُهُ: وَالْمَتَاعُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ مَضْمُونٌ) عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ فَيَضْمَنُهُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَلَفُهُ مِنْ شَيْءٍ غَالِبٍ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ - وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ بِجَمِيعِ حَوَانِيتِ الْبَيْتِ -، وَالْعَدُوِّ الْمُكَابِرِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمَنَعَةِ وَمَوْتِ الشَّاةِ، ثُمَّ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ مُحْدَثًا فِيهِ عَمَلٌ أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ مُصْحَفًا لِيَعْمَلَ لَهُ غِلَافًا، أَوْ سَيْفًا لِيَعْمَلَ لَهُ جِفْنًا، أَوْ سِكِّينًا لِيَعْمَلَ لَهَا نَصْلًا فَضَاعَ الْمُصْحَفُ، أَوْ السَّيْفُ، أَوْ السِّكِّينُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ عَلَى إيقَاعِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَتَاعُ أَمَانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَهُمَا يَقُولَانِ هُوَ مَضْمُونٌ احْتِيَاطًا لِأَمْوَالِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْأُجَرَاءَ إذَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ اجْتَهَدُوا فِي الْحِفْظِ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ عِنْدَ الْفَتْوَى فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الصُّلْحَ عَلَى النِّصْفِ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ إذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا وَيُعْطِيهِ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ وَلَوْ ادَّعَى الْأَجِيرُ الرَّدَّ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْأُجْرَةِ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَضْمُونٌ عِنْدَ الْأَجِيرِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (قَوْلُهُ: وَمَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلَقِ الْحَمَّالِ وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْمُكَارِي الْحِمْلَ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا مَضْمُونٌ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ جَفَّفَ الْقَصَّارُ ثَوْبًا عَلَى حَبْلٍ فَمَرَّتْ بِهِ حَمُولَةٌ فِي الطَّرِيقِ فَخَرَّقَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَجْفِيفُهُ إلَّا عَلَى حَبْلٍ، أَوْ حَائِطٍ بِهَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فَصَارَ ذَلِكَ مَأْذُونًا فِيهِ فَلَمْ يَضْمَنْ وَالضَّمَانُ عَلَى سَائِقِ الْحَمُولَةِ؛ لِأَنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِي الِاجْتِيَازِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَصَارَ جَانِيًا بِسَوْقِهِ فَلِهَذَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِهِ بَنِي آدَمَ مِمَّنْ غَرِقَ مِنْهُمْ فِي السَّفِينَةِ، أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ لَمْ يَضْمَنْهُ) وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ أَمَّا إذَا تَعَمَّدَهُ ضَمِنَهُمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ بَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَهُمْ لَكَانَ مُوجَبُ ضَمَانِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَضْمَنُ بِالْأَقْوَالِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ قَوْلٌ وَلِأَنَّ بَنِي آدَمَ فِي أَيْدِي أَنْفُسِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا فَصَدَ الْفَصَّادُ أَوْ بَزَّغَ الْبَزَّاغُ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ مَوْضِعَ الْمُعْتَادِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا عَطِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ تَجَاوَزَهُ ضَمِنَ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَزْغُ بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ سَوَاءٌ تَجَاوَزَ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ أَمْ لَا وَلَوْ قَطَعَ الْخَتَّانُ حَشَفَةَ الصَّبِيِّ فَمَاتَ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ بَرِئَ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ حَصَلَ مَوْتُهُ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ وَالثَّانِي غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ، وَأَمَّا إذَا بَرِئَ جُعِلَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَقَطْعُ الْحَشَفَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَوَجَبَ ضَمَانُ الْحَشَفَةِ كَامِلًا وَهُوَ الدِّيَةُ كَذَا فِي شَاهَانْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ، أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ) وَإِنَّمَا سُمِّيَ خَاصًّا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِعَمَلِهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ فِي الْمُدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ) بِأَنْ سُرِقَ مِنْهُ، أَوْ غُصِبَ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ) بِأَنْ انْكَسَرَ الْقِدْرُ مِنْ عَمَلِهِ، أَوْ تَخَرَّقَ الثَّوْبُ مِنْ دَقِّهِ وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ مُعْتَادٍ مُتَعَارَفٍ أَمَّا إذَا ضَرَبَ شَاةً فَفَقَأَ عَيْنَهَا، أَوْ كَسَرَ رِجْلَهَا كَانَ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا، وَإِذَا مَاتَ شَيْءٌ مِنْ الْغَنَمِ، أَوْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ لَمْ يَضْمَنْ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَكَذَا إذَا سَقَاهَا مِنْ نَهْرٍ فَغَرِقَتْ مِنْهَا شَاةٌ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ هَلَكَ فِي الْمُدَّةِ نِصْفُ الْغَنَمِ، أَوْ أَكْثَرُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً مَا دَامَ يَرْعَى مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ وُجِدَ وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يُنْزِيَ عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْزَاءَ حَمْلٌ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ الْفَحْلُ نَزَا عَلَيْهَا فَعَطِبَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَإِنْ نَدَّتْ وَاحِدَةٌ فَخَافَ إنْ تَبِعَهَا ضَاعَ الْبَاقِي فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ التَّدْلِيسَ مِنْ فِعْلِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ ضَامِنٌ لِلَّتِي نَدَّتْ. (قَوْلُهُ: وَالْإِجَارَةٌ تُفْسِدُهَا الشُّرُوطُ كَمَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ) يَعْنِي الشُّرُوطَ الَّتِي لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ كَمَا إذَا شَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ، أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، أَوْ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا إذَا شَرَطَ شَرْطًا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَمَا إذَا شَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَصِحُّ فَسْخُهُ بِالْإِقَالَةِ كَالْبَيْعِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ) لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ أَشَقُّ وَهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ فِي الْمِصْرِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى هَيْئَةِ السَّفَرِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى هَيْئَةِ السَّفَرِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَاسْتَأْجَرَهُ فَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ فِي الْمِصْرِ لِلْخِدْمَةِ وَسَافَرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ فَخَرَجَ عَنْ الْعَقْدِ فَصَارَ مُسْتَخْدِمًا لِعَبْدِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْدُمَهُ يَوْمًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يَنَامَ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ مِثْلُ غَسْلِ ثَوْبِهِ وَطَبْخِ لَحْمِهِ وَعَجْنِ دَقِيقِهِ وَعَلْفِ دَابَّتِهِ وَحَلْبِهَا - إنْ كَانَ يُحْسِنُهُ - وَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ، وَإِنْزَالِ مَتَاعِهِ مِنْ السَّطْحِ وَرَفْعِهِ إلَى السَّطْحِ وَخِدْمَةِ أَضْيَافِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ الْخِدْمَةِ كَذَا فِي شَرْحِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ امْرَأَةً أَوْ أَمَةً لِلْخِدْمَةِ وَيَخْلُوَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ، وَإِذَا أَجَّرَ عَبْدَهُ سَنَةً فَلَمَّا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ نَفْسَهُ بِالْحُرِّيَّةِ فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا وَأَجَازَهَا فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْقُضَهَا، وَتَكُونُ أُجْرَةُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ لِلْعَبْدِ وَأُجْرَةُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَدْ قَبَضَ أُجْرَةَ السَّنَةِ كُلَّهَا سَلَفًا ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَاخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْإِجَارَةِ فَالْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا بِالتَّعْجِيلِ وَيَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ لِلْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ يَفْسَخْ اُسْتُحِقَّتْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْقَبْضُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ أَجَّرَ أُمَّ وَلَدِهِ فَمَاتَ فِي الْمُدَّةِ عَتَقَتْ وَلَهَا الْخِيَارُ كَمَا فِي الْعَبْدِ إذَا أُعْتِقَ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمِلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ جَازَ) وَهُوَ عَلَى الذَّهَابِ خَاصَّةً. وَفِي الْغَايَةِ عَلَى الذَّهَابِ، وَالْمَجِيءِ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ الْمَحْمِلُ الْمُعْتَادُ) وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الرَّاكِبَيْنِ، أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ أُرْكِبَ مَنْ أَشَاءُ أَمَّا إذَا قَالَ اسْتَأْجَرْت عَلَى الرُّكُوبِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَعَلَى الْمُكَارِي تَسْلِيمُ الْحِزَامِ، وَالْقَتَبِ وَالسَّرْجِ، وَالْبُرَةِ الَّتِي فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ وَاللِّجَامِ لِلْفَرَسِ، وَالْبَرْدَعَةِ لِلْحِمَارِ فَإِنْ تَلِفَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي يَدِ الْمُكْتَرِي لَمْ يَضْمَنْهُ كَالدَّابَّةِ، وَأَمَّا الْمَحْمِلُ، وَالْغِطَاءُ فَهُوَ عَلَى الْمُكْتَرِي، وَعَلَى الْمُكْتَرِي إشَالَةُ الْمَحْمِلِ، وَحَطُّهُ وَسَوْقُ الدَّابَّةِ وَقَوْدُهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يُنْزِلَ الرَّاكِبِينَ لِلطَّهَارَةِ وَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلَا يَجِبُ لِلْأَكْلِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُمْ فِعْلُهُمَا عَلَى الظَّهْرِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُبْرِكَ الْجَمَلَ لِلْمَرْأَةِ، وَالْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الضَّعِيفِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاهَدَ الْجَمَّالُ الْمَحْمِلَ فَهُوَ أَجْوَدُ) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَنْتَفِي بِمُشَاهَدَةِ الْمَحْمِلِ وَهُوَ الْهَوْدَجُ يُقَالُ فِيهِ مِحْمَلٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَيُقَالُ فِيهِ بِالْعَكْسِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ جَازَ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ) وَكَذَا إذَا سُرِقَ الزَّادُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ جَازَ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَكَذَا غَيْرُ الزَّادِ مِنْ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ. قَوْلُهُ: (وَالْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ) أَيْ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، وَالْعَقْدُ مُعَاوَضَةٌ، وَمِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ، وَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ لِتَحَقُّقِ التَّسْوِيَةِ وَكَذَا إذَا شَرَطَ التَّعْجِيلَ، أَوْ عَجَّلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُؤَجَّرُ فَأَعْتَقَهُ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ صَحَّ عِتْقُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُؤَجِّرُ فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَقُّ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ، أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فَعِنْدَنَا لَا يَعْتِقُ وَعِنْدَهُ يَعْتِقُ، ثُمَّ الْمُؤَجِّرُ إذَا شَرَطَ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ فِي الْعَقْدِ كَانَ لَهُ حَبْسُ الدَّارِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْمَبِيعِ، وَالْأُجْرَةَ كَالثَّمَنِ فَكَمَا وَجَبَ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَكَذَا يَجِبُ حَبْسُ الْمَنَافِعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ الْمُعَجَّلَةَ وَقَوْلُهُ: أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَإِذَا عَجَّلَ، ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ بِالْأُجْرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا إذَا هَلَكَتْ قَالَ فِي شَرْحِهِ: إذَا عَجَّلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأُجْرَةَ مَلَكَهَا الْمُؤَجِّرُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا عَجَّلَهُ. فَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الدَّارِ فَأَعْتَقَهُ صَاحِبُ الدَّارِ نَفَذَ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالتَّعْجِيلِ فَإِنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ قَبْلَ قَبْضِهَا، أَوْ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَعَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ تَسْلِيمُ الدَّارِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْعِوَضِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَرَجَعَ إلَى قِيمَتِهِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ قَدْ مَلَكَهُ وَزَالَ مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَقَدْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَاسْتَحَقَّ مِلْكَ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ إلَّا فِي آخِرِ الْمُدَّةِ، أَوْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأُجْرَةِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُهَا فِي الْعَقْدِ مَتَى تَجِبُ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يُطَالِبُهُ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ الْمَنْفَعَةَ كُلَّهَا أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي الْإِجَارَةِ الَّتِي تَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُطَالِبُهُ عِنْدَ مُضِيِّ كُلِّ يَوْمٍ، يَعْنِي أَنَّهَا تَجِبُ حَالًا فَحَالًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ وَلَمْ يَتَسَلَّمْ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ حَتَّى أَبْرَأَ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الْأُجْرَةِ، أَوْ وَهَبَهَا لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَيْنًا كَانَتْ الْأُجْرَةُ، أَوْ دَيْنًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَإِذَا أَبْرَأَ مِنْهَا، أَوْ وَهَبَهَا فَقَدْ أَبْرَأَ مِنْ حَقٍّ لَمْ يَجِبْ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ وَالتَّأْجِيلُ إنَّمَا هُوَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ. وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ الْإِجَارَةُ بِقَبُولِ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِحَّ فَوُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ دَيْنًا جَازَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ فَوَهَبَهَا الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ إنْ قَبِلَ الْهِبَةَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ رَدَّهَا لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ فَإِذَا رَدَّهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَلِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْعَقْدِ). وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا إلَى مَكَّةَ فَلِلْجَمَّالِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ) لِأَنَّ سَيْرَ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مَقْصُودٌ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْتِهَاءِ السَّفَرِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَبْلُغَ ثُلُثَ الطَّرِيقِ، أَوْ نِصْفَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْقَصَّارِ، وَالْخَيَّاطِ أَنْ يُطَالِبَا بِالْأُجْرَةِ حَتَّى يَفْرُغَا مِنْ الْعَمَلِ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَيَّاطُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِقَدْرِ مَا خَاطَ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ أَيْضًا قَبْلَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ) لِأَنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ، وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا خَاطَهُ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ حَتَّى يَفْرُغَ فَإِذَا فَرَغَ، ثُمَّ هَلَكَ الثَّوْبُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلِّمًا لِلْعَمَلِ يَعْنِي - إذَا خَاطَهُ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ -، وَعِنْدَهُمَا الثَّوْبُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَخِيطٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ مَخِيطًا وَلَهُ الْأُجْرَةُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ قَفِيزَ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ) لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِإِخْرَاجِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهِ فَإِنْ احْتَرَقَ الْخُبْزُ قَبْلَ إخْرَاجِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا أَعْطَاهُ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ وَلَا يَضْمَنُ الْحَطَبَ، وَالْمِلْحَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَإِنْ سُرِقَ الْخُبْزُ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ فَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ صَاحِبِ الطَّعَامِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ وَقَعَ مُسَلَّمًا، وَبَيْتُهُ بِيَدِهِ فَاسْتَحَقَّ الْبَدَلَ بِتَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ الْخَبَّازِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا سُرِقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ عَلَى أَصْلِهَا فِي ضَمَانِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَقَوْلُهُ لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ شَرْطُ كَوْنِهِ فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْخَبَّازِ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ يَعْنِي لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ أَمَّا إذَا أَخْرَجَ بَعْضَ الْخُبْزِ اسْتَحَقَّ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ طَبَّاخًا لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامًا لِلْوَلِيمَةِ فَالْغَرْفُ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَإِنْ أَفْسَدَ الطَّعَامَ أَوْ أَحْرَقَهُ، أَوْ لَمْ يُنْضِجْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِلْوَلِيمَةِ؛ إذْ لَوْ كَانَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ فَلَا غَرْفَ عَلَيْهِ فَإِذَا دَخَلَ الْخَبَّازُ، أَوْ الطَّبَّاخُ بِنَارٍ لِيَخْبِزَ، أَوْ لِيَطْبُخَ بِهَا فَوَقَعَتْ مِنْهُ شَرَارَةٌ فَاحْتَرَقَ بِهَا الْبَيْتُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْعَمَلِ إلَّا بِإِدْخَالِ النَّارِ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْمَكَانِ إذَا احْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ السُّكَّانِ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي هَذَا السَّبَبِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ. وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ اشْتَرَى رَاوِيَةً وَدَخَلَ بِهَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّتِهِ فَنَفَرَتْ الدَّابَّةُ فَخَرَّتْ عَلَى الْقُدُورِ فَكَسَرَتْهَا، أَوْ وَقَعَ الْمَاءُ عَلَى الطَّعَامِ فَأَفْسَدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهَا بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ وَلَا عَلَى الطَّبَّاخِ، وَالْخَبَّازِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِغَيْرِ فِعْلِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ إذَا أَقَامَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ كَالنَّقْلِ إلَى بَيْتِهِ، وَالْإِقَامَةُ هِيَ النَّصْبُ بَعْدَ الْجَفَافِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُشَرِّجَهُ) لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ وَالتَّشْرِيجُ هُوَ أَنْ يُرَكِّبَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ بَعْدَ الْجَفَافِ؛ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا تَلِفَ اللَّبِنُ قَبْلَ التَّشْرِيجِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَلِفَ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْأَجِيرِ، وَأَمَّا إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُنْبَسِطٌ. وَفِي الْمُصَفَّى إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ لَهُ لَبِنًا فِي مِلْكِهِ فَعَمِلَهُ فَأَفْسَدَهُ الْمَطَرُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ أَقَامَهُ وَلَمْ يُشَرِّجْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ تَسْلِيمٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ التَّشْرِيجُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا إذَا عَمِلَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَمَا لَمْ يُشَرِّجْهُ وَيُسَلِّمْهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَخْرُجُ عَنْ ضَمَانِهِ حَتَّى إنَّهُ إذَا فَسَدَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَا أُجْرَةَ لَهُ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَالَ إنْ خِطْت هَذَا الثَّوْبَ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ وَأَيُّ الْعَمَلَيْنِ عَمِلَهُ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ). وَقَالَ زُفَرُ الْعَقْدُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَمَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَصِحُّ وَلَنَا أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ مَنْفَعَتَيْنِ مَعْلُومَتَيْنِ، وَالْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالْعَمَلِ وَبِأَخْذِهِ فِي الْعَمَلِ يَتَعَيَّنُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَكَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَنْفَعَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ صَبَغْته بِزَعْفَرَانٍ فَبِدِرْهَمَيْنِ عَلَى هَذَا، ثُمَّ إذَا خَاطَهُ فَارِسِيًّا وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ رُومِيًّا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَهُوَ نِصْفُ دِرْهَمٍ). وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَنْقُصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ. وَقَالَ زُفَرُ كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ، وَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ دِرْهَمًا، وَإِنْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَا شَيْءَ لَك قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ إنْ سَكَّنْت هَذَا الدُّكَّانَ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ سَكَّنْته حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ وَأَيَّ الْأَمْرَيْنِ عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَاسِدٌ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ) وَإِنَّمَا صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَأُجْرَتَهُ مَعْلُومَةٌ وَالشَّهْرَ لَا يَخْتَلِفُ، وَإِنَّمَا فَسَدَتْ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِيهَا مَجْهُولَةٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كَلِمَةَ كُلِّ إذَا دَخَلَتْ فِيمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ، وَأَمَّا إذَا سَمَّى جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً. (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى أَنْ يَمْضِيَ الشَّهْرُ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ فِي أَوَّلِهِ) لِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ بِتَرَاضِيهِمَا بِالسُّكْنَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ:، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ قِسْطَ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ الْأُجْرَةِ) لِأَنَّ الْحِصَّةَ مَعْلُومَةٌ بِدُونِ التَّقْسِيمِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ حِينَ يُهِلُّ الْهِلَالُ فَشُهُورُ السَّنَةِ كُلُّهَا بِالْأَهِلَّةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَالْكُلُّ بِالْأَيَّامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ، وَالْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ، وَالْحَجَّامِ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ، فَإِنْ شَرَطَ الْحَجَّامُ شَيْئًا عَلَى الْحِجَامَةِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْحِجَامَةِ مَجْهُولٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ، وَالْعَسْبُ هُوَ الْأُجْرَةُ الَّتِي تُؤْخَذُ عَلَى ضَرْبِ الْفَحْلِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ) (الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ، وَالْحَجِّ) وَكَذَا الْإِمَامَةُ وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ، وَالْفِقْهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قُرْبَةٌ لِفَاعِلِهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ مِقْدَارُ نَفَقَتِهِ فِي الطَّرِيقِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَيَرُدُّ الْفَضْلَ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا اسْتَحْسَنُوا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَفِي الِامْتِنَاعِ تَضْيِيعُ حِفْظِ الْقُرْآنِ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْفِقْهِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْدَرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَيَجُوزُ عَلَى تَعْلِيمِ اللُّغَةِ، وَالْأَدَبِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْجِهَادِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ إذَا حَضَرَ الْوَقْعَةَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى غُسْلِ الْمَيِّتِ وَيَجُوزُ عَلَى حَفْرِ الْقَبْرِ، وَأَمَّا حَمْلُ الْمَيِّتِ قَالَ فِي الْعُيُونِ: يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ،. وَفِي الْفَتَاوَى إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُمْ جَازَ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ مُدَّةً مَعْلُومَةً قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ) وَكَذَا سَائِرُ الْمَلَاهِي؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إبَانَةُ الْعُضْوِ وَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إفَاتَةُ الرُّوحِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا قَطْعُ الْأَوْدَاجِ دُونَ إفَاتَةِ الرُّوحِ وَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْقَاضِي رَجُلًا مُشَاهَرَةً عَلَى أَنْ يَضْرِبَ الْحُدُودَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشَاهَرَةٍ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً فَالْعَقْدُ يَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ عَمِلَ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، وَالْمُدَّةُ مَعْلُومَةٌ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى الضَّرْبِ فَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ، أَوْ مِمَّا لَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمُشَاعِ وَحْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إجَارَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ، أَوْ بِالتَّهَايُؤِ فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَهُ مِنْ شَرِيكِهِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَأَمَّا رَهْنُ الْمُشَاعِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ، وَفِيمَا يَحْتَمِلُهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ وَوَقْفُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُمَّ الْإِجَارَةُ مَتَى حَصَلَتْ فِي غَيْرِ الْمُشَاعِ وَطَرَأَ الشُّيُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُ الْمُؤَاجِرَيْنِ لَا تَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا وَكَذَا إذَا آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً جَازَ، ثُمَّ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ فِي حَقِّ الْحَيِّ جَائِزًا. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى الْمَنَافِعِ - وَهِيَ خِدْمَةُ الصَّبِيِّ، وَالْقِيَامُ بِهِ -، وَاللَّبَنُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ كَالصِّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ، وَالْخِدْمَةُ تَبَعٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا، وَكَذَا الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ، وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ ابْنَهَا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ وَلِلْوَلَدِ مَالٌ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اسْتِئْجَارِهَا أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَأُجْرَةُ الرَّضَاعِ تَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ فَلَا تَسْتَحِقُّهَا مِنْ وَجْهَيْنِ، وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ يَقَعُ لِلصَّغِيرِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ فَجَازَ اسْتِئْجَارُهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَإِنْ لَمْ يُوصَفْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَيَكُونُ لَهَا الْوَسَطُ وَهِيَ تَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالْأُجْرَةُ إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ، أَوْ الْخَبْزِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي الْمُطَلَّقَاتِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْأُجْرَةِ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي هَذَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ؛ لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ التَّوْسِعَةَ عَلَى الْأَظْآرِ شَفَقَةٌ عَلَى الْأَوْلَادِ بِخِلَافِ الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنْ سَمَّى الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا وَذَرْعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ لِلظِّئْرِ أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا) مَخَافَةَ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صِيَانَةً لِحَقِّهِ إلَّا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ غِشْيَانِهَا فِي مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ حَقُّهُ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوا الظِّئْرَ فِي مَنْزِلِهِمْ إذَا لَمْ يَشْرِطُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الصَّبِيَّ إلَى مَنْزِلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهَا الْعَمَلَ وَلَمْ يَسْتَحِقُّوهُ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ وَهِيَ مُؤْتَمَنَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى كِسْوَتِهِ وَحُلِيِّهِ فَإِنْ سُرِقَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يَلْزَمْهَا ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهَا أَجِيرٌ خَاصٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَبِلَتْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ) إذَا خَافُوا عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ لَبَنِهَا؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحَامِلِ يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ فَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الْفَسْخِ وَكَذَا إذَا مَرِضَتْ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْمَرِيضَةِ يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ وَلَهَا أَيْضًا أَنْ تَفْسَخَ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عُذْرٌ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ الرَّضَاعِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَسَلَّمَ الْأُجْرَةَ وَقَدْ قَالُوا فِي الظِّئْرِ: إذَا كَانَتْ مِمَّنْ يَشِينُهَا الْإِرْضَاعُ فَلِأَهْلِهَا أَنْ يَفْسَخُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَيَّرُونَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: تَمُوتُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيِهَا وَكَذَلِكَ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِرْضَاعِ فَلَهَا ذَلِكَ إذَا كَانَ يَشِينُهَا الرَّضَاعُ فَإِنْ كَانَتْ الظِّئْرُ سَارِقَةً وَخَافُوا عَلَى مَتَاعِ الصَّبِيِّ مِنْهَا فَلَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا، وَإِنْ كَانُوا يُؤْذُونَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ أُمِرُوا بِالْكَفِّ عَنْهَا فَإِنْ فَعَلُوا، وَإِلَّا كَانَ لَهَا الْفَسْخُ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهَا أَنْ تُصْلِحَ طَعَامَ الصَّبِيِّ) بِأَنْ تَمْضُغَ لَهُ الطَّعَامَ وَلَا تَأْكُلَ شَيْئًا يُفْسِدُ لَبَنَهَا وَيَضُرُّ بِالصَّبِيِّ وَعَلَيْهَا طَبْخُ طَعَامِهِ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ وَمَا يُعَالَجُ بِهِ الْأَطْفَالُ مِنْ الدُّهْنِ وَالرَّيْحَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا طَعَامُهُ فَعَلَى أَهْلِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الدُّهْنِ وَالرَّيْحَانِ أَنَّهُ عَلَى الظِّئْرِ فَذَلِكَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَفِي شَرْحِهِ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ فَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ لَهَا)؛ لِأَنَّ هَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِالْإِرْضَاعِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَتْ الظِّئْرُ لَهُ ظِئْرًا أُخْرَى فَأَرْضَعَتْهُ فَلَهَا الْأُجْرَةُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ إرْضَاعَ الثَّانِيَةِ يَقَعُ لِلْأُولَى فَكَأَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ بِنَفْسِهَا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا أَجْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى عَمَلِهَا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَرْضَعُ لَبَنَهَا، أَوْ يَتَقَيَّأُ مِنْهُ، أَوْ تَكُونُ سَارِقَةً، أَوْ زَانِيَةً تَتَشَاغَلُ بِالزِّنَا عَنْ حِفْظِ الصَّبِيِّ فَلِأَهْلِهِ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ، وَإِنْ ضَاعَ الصَّبِيُّ مِنْ بَيْتِهَا، أَوْ سَقَطَ فَمَاتَ، أَوْ سُرِقَ شَيْءٌ مِنْ ثِيَابِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَيْهِ وَقَدْ أَخَذَتْهُ بِإِذْنِ أَهْلِهِ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ صَانِعٍ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ كَالصَّبَّاغِ، وَالْقَصَّارِ) وَكَذَا الْخَيَّاطُ فَلَوْ حَبَسَ فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْحَبْسِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ قَبْلَ الْحَبْسِ فَإِذَا حَبَسَهُ أَوْلَى أَنْ يُضْمَنَ لَكِنَّهُ عِنْدَهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ مَعْمُولًا وَلَهُ الْأُجْرَةُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْقَصَّارُ يَقْصُرُ بِالنَّشَا، وَالْبَيْضِ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَإِنْ كَانَ يُبَيِّضُ الثَّوْبَ لَا غَيْرُ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَيْسَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ كَالْحَمَّالِ، وَالْمَلَّاحِ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ وَغَسْلُ الثَّوْبِ نَظِيرُ الْحَمْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْآبِقِ حَيْثُ يَكُونُ لِلرَّادِّ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ وَلَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ أَحْيَاهُ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فَإِنْ حَبَسَ الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ فَهُوَ غَاصِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ، وَالْعَيْنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَإِذَا حَبَسَهَا بِدَيْنِهِ صَارَ غَاصِبًا كَالْوَدِيعَةِ فَإِنَّهَا لَا تُحْبَسُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ، ثُمَّ إذَا حَبَسَ الْعَيْنَ ضَمِنَهَا ضَمَانَ الْغَصْبِ وَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا مَحْمُولَةً وَلَهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَحْمُولَةٍ بِلَا أَجْرٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِي الْحَمَّالِ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ فَطَلَبَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ الشَّيْءَ مِنْ رَقَبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَضَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا شَرَطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ) بِأَنْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِنَفْسِك، أَوْ بِيَدِك أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَخِيطَهُ فَهُوَ مُطْلَقٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ الْعَمَلَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ)؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عَمَلٌ فِي ذِمَّتِهِ وَيُمْكِنُهُ إيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ إيفَاءِ الدَّيْنِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَيَّاطُ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ: أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً وَقَالَ الْخَيَّاطُ قَمِيصًا، أَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلصَّبَّاغِ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْته أَصْفَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْإِذْنَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الثَّوْبِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَمْ آذَنْ لَك فِي الْعَمَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا هَذَا؛ لَكِنَّهُ يُحَلَّفُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ) يَعْنِي إنْ شَاءَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَوْ جَاءَ إلَى خَيَّاطٍ بِثَوْبٍ فَقَالَ لَهُ: اُنْظُرْ إلَى هَذَا الثَّوْبِ إنْ كَفَانِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ وَخِطْهُ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ: نَعَمْ يَكْفِيك، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهُ: لَا يَكْفِيك ضَمِنَ قِيمَةَ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدْخَلَ عَلَيْهِ حَرْفَ شَرْطٍ وَهِيَ " إنْ " فَقَدْ أَمَرَهُ بِقَطْعٍ مَوْصُوفٍ بِشَرْطِ الْكِفَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَكْفِ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ الْمَشْرُوطَةُ فَضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ: اُنْظُرْ أَيَكْفِينِي قَمِيصًا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اقْطَعْهُ فَإِذَا هُوَ لَا يَكْفِيهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَطْعٍ مُطْلَقٍ عَارٍ عَنْ الْوَصْفِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا وَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ فَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنْ. وَلَوْ دَفَعَ إلَى قَصَّارٍ ثَوْبًا لِيَقْصُرَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي جَاءَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ يَطْلُبُهُ مِنْهُ فَجَحَدَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ مَقْصُورًا وَطَلَبَ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَ قَصَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْحَدَهُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ قَصَرَهُ لَهُ عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ وَجَحَدَهُ مَقْصُورًا فَلَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ قَصَرَهُ بَعْدَمَا جَحَدَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَرَهُ لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عَمِلْتَهُ لِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ وَقَالَ الصَّانِعُ بِأُجْرَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا قِيمَةَ لَهَا إلَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ وَالصَّانِعُ يَدَّعِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ حَرِيفًا لَهُ) أَيْ مُعَامِلًا لَهُ (فَلَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيفًا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَرِيفًا فَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنَّهُ يَخِيطُ لَهُ بِأُجْرَةٍ فَصَارَ الْمُعْتَادُ كَالْمَنْطُوقِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيفًا فَلَا عَادَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الصَّانِعُ مُبْتَذِلًا لِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأُجْرَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنَّهُ عَمِلَهُ بِأُجْرَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْحَانُوتَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَنَصَبَ نَفْسَهُ لِلْخِيَاطَةِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَجْرِ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهَا الْمُسَمَّى). وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا أَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ أَجْرًا يَجِبُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، ثُمَّ الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِالتَّخْلِيَةِ بَلْ إنَّمَا تَجِبُ بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ حَيْثُ تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِالتَّخْلِيَةِ انْتَفَعَ بِهَا أَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ إذَا خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا) لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ اسْتِقْرَارَ الْبَدَلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ يَدِهِ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ) هَذَا إذَا غَصَبَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَهَا أَمَّا إذَا غَصَبَهَا بَعْدَمَا سَكَنَ فِيهَا مُدَّةً سَقَطَ عَنْهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ أُجْرَةُ مَا سَكَنَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا يَضُرُّ بِالسُّكْنَى فَلَهُ الْفَسْخُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِضَرَرٍ وَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ وَلَا يُحْتَاجَ إلَى الْقَضَاءِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارَيْنِ فَسَقَطَتْ إحْدَاهُمَا، أَوْ مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ حَدَثَ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبٌ يَنْقُصُ السُّكْنَى فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا جَمِيعًا إذَا كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ حُدُوثُ الْعَيْبِ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنَافِعِ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْخِدْمَةِ وَكَالدَّارِ إذَا سَقَطَ مِنْهَا حَائِطٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا فَهَذَا لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ، وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ يُؤَثِّرُ فِي الْمَنَافِعِ كَالْعَبْدِ إذَا مَرِضَ، أَوْ الدَّابَّةِ إذَا دَبِرَتْ، أَوْ الدَّارِ إذَا انْهَدَمَ بَعْضُ بِنَائِهَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ فَإِنْ بَنَى الْمُؤَجِّرُ مَا سَقَطَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ زَالَ وَتَطْيِينُ الدَّارِ، وَإِصْلَاحُ مَيَازِيبِهَا وَمَا وَهَنَ مِنْ بِنَائِهَا عَلَى مَالِكِهَا دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَخْرُجَ إذَا لَمْ يُصْلِحْ الْمُؤَجِّرُ ذَلِكَ وَكَذَا إصْلَاحُ بِئْرِ الْمَاءِ، وَالْبَالُوعَةِ وَبِئْرِ الْمَخْرَجِ عَلَى الْمَالِكِ أَيْضًا وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ امْتَلَأَ مِنْ فِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِي الدَّارِ تُرَابٌ مِنْ كَنْسِ الْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ رَمَادٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَمَتَاعٍ وَضَعَهُ فِيهَا، وَإِنْ أَصْلَحَ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا مِنْ خَلَلِ الدَّارِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لَا يُحْتَسَبُ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا خَرِبَتْ الدَّارُ، أَوْ انْقَطَعَ شِرْبُ الضَّيْعَةِ أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ) يَعْنِي لَهُ فَسْخُهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ إذَا بَنَاهَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ وَلَا لِلْمُؤَجِّرِ وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَنْفَسِخْ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ انْفَسَخَتْ أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ، وَإِذَا آجَرَ دَارِهِ، ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ حَتَّى إنَّ الْمُدَّةَ إذَا انْقَضَتْ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْآخِذِ وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ الْبَيْعُ وَبَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ وَلَوْ فَسَخَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَهُ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ) أَمَّا مَوْتُ الْمُسْتَأْجِرِ فَلِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِهِ فَلَوْ بَقَّيْنَا الْإِجَارَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ اُسْتُحِقَّتْ الْأُجْرَةُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ هُوَ الَّذِي مَاتَ فَلَوْ بَقَّيْنَا الْإِجَارَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ اُسْتُوْفِيَتْ الْمَنَافِعُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ) مِثْلُ الْوَكِيلِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْأَبِ إذَا آجَرَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَالْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ إذَا عَقَدَ ثُمَّ مَاتَ وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَا يَقَعُ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مِلْكِ الِاسْتِبَاحَةِ وَذَلِكَ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَسْتَحْصِدْ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ وَرَثَتِهِ أَنْ يَدَعُوا ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ وَيَكُونَ عَلَيْهِمْ مَا سُمِّيَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَسْتَحْصِدْ فَإِنَّ الزَّرْعَ يُتْرَكُ وَيَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَمَّا وَجَبَ وَلَا تَسْمِيَةَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَمْ يَكُنْ إلَّا أُجْرَةَ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ) وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْخِيَارِ مِنْ وَقْتِ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ: وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِالْأَعْذَارِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا فِي السُّوقِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ فَذَهَبَ مَالُهُ وَكَمَنْ آجَرَ دَارًا، أَوْ دُكَّانًا فَأَفْلَسَ وَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا إلَّا مِنْ ثَمَنِ مَا آجَرَهُ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ وَبَاعَهَا فِي الدَّيْنِ) فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِي النَّقْضِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ فَالْإِجَارَةُ فِيهِ تَنْتَقِضُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ، وَطَرِيقُ الْقَضَاءِ أَنْ يَبِيعَ الْمُؤَجِّرُ الدَّارَ أَوَّلًا فَإِذَا بَاعَ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْمُشْتَرِي يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَيَلْتَمِسُ مِنْهُ فَسْخَ الْبَيْعِ وَتَسْلِيمَ الدَّارِ إلَيْهِ فَالْقَاضِي يُمْضِي الْبَيْعَ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ وَتَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ، وَالْقَاضِي لَا يَنْقُضُ الْإِجَارَةَ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَضَهَا مَقْصُودًا رُبَّمَا لَا يَتَّفِقُ الْبَيْعُ فَيَكُونُ النَّقْضُ إبْطَالًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ مَقْصُودًا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْبَلَدِ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا أَفْلَسَ بَعْدَمَا اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِيَبِيعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَفْلَسَ لَا يَنْتَفِعُ بِالدُّكَّانِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَوَجَدَهُ سَارِقًا فَهُوَ عُذْرٌ فِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ إلَّا بِضَرَرٍ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَقْعُدَ مِنْ السَّفَرِ فَهُوَ عُذْرٌ) وَلَا يُجْبَرُ عَلَى السَّفَرِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا مَرِضَ الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ السَّفَرُ إلَّا بِضَرَرٍ وَكَذَا إذَا تَرَكَ الْمُكْتَرِي السَّفَرَ لِعُذْرٍ يَلْحَقُهُ مِثْلُ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى تَرْكِ السَّفَرِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، أَوْ اكْتَرَى دَارًا فِي بَلَدٍ، ثُمَّ نَوَى السَّفَرَ، وَتَرَكَ الْمُقَامَ فَلَهُ الْفَسْخُ وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الْفَسْخَ لِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ مَا أَظْهَرَهُ، وَإِنْ كَانَ وَجَدَ جِمَالًا أَرْخَصَ مِنْ جِمَالِهِ، أَوْ دَارًا أَرْخَصَ مِنْ دَارِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ وَكَذَا لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يَفْسَخَ إذَا وَجَدَ زِيَادَةً عَلَى الْأَجْرِ الَّذِي آجَرَهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَدَا لِلْمُكَارِي أَنْ يَقْعُدَ مِنْ السَّفَرِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَبْعَثَ بِالدَّوَابِّ مَعَ أَجِيرِهِ، أَوْ غُلَامِهِ وَلَوْ مَرِضَ الْمُؤَجِّرُ فَكَذَا الْجَوَابُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ: هُوَ عُذْرٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ، وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِ غَيْرِهِ فِي دَوَابِّهِ، وَإِنْ مَرِضَ الْجَمَّالُ فَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ عُذْرًا. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ هُوَ عُذْرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ لِلزِّيَارَةِ فَأَبَى الْجَمَّالُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا قَالَ هَذَا عُذْرٌ وَنَقْضُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَلْزَمَ الْجَمَّالَ أَنْ يُقِيمَ مُدَّةَ النِّفَاسِ فَفُسِخَتْ الْإِجَارَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ مُدَّةِ النِّفَاسِ إلَّا كَمُدَّةِ الْحَيْضِ، أَوْ أَقَلَّ أُجْبِرَ الْجَمَّالُ عَلَى الْمُقَامِ مَعَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمُقَامِ الْحَاجِّ فِيهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الضَّمُّ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّهُ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ وَسُمِّيَتْ الشَّفَاعَةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَضُمُّ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ إلَى أَهْلِ الثَّوَابِ فَلَمَّا كَانَ الشَّفِيعُ يَضُمُّ الشَّيْءَ الْمَشْفُوعَ إلَى مِلْكِهِ سُمِّيَ ذَلِكَ شُفْعَةً. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ) أَيْ ثَابِتَةٌ؛ إذْ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَهُ لَا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ بِدُخُولِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ التَّأَذِّي عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ الْخَلِيطُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شُفْعَةَ لَهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لِلْجَارِ). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ ثُمَّ الْجَارُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ عِنْدَنَا هُوَ الْمُلَاصِقُ الَّذِي إلَى ظَهْرِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ، وَبَابُهُ مِنْ سِكَّةٍ أُخْرَى دُونَ الْمُحَاذِي أَمَّا إذَا كَانَ مُحَاذِيًا وَبَيْنَهُمَا طَرِيقٌ نَافِذٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَإِنْ قَرُبَتْ الْأَبْوَابُ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْفَارِقَةَ بَيْنَهُمَا تُزِيلُ الضَّرَرَ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ وَالشِّرْبِ، وَالْجَارِ شُفْعَةٌ مَعَ الْخَلِيطِ)؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ بِالضَّرَرِ مِنْهُمْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَلَّمَ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ) لِأَنَّهُ أَخَصُّ بِالضَّرَرِ مِنْ الْجَارِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَلَّمَ أَخَذَهَا الْجَارُ)؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَتَحَقَّقُ بِقُوَّةِ السَّبَبِ. (قَوْلُهُ: وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ) يَعْنِي لَوْ سَلَّمَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ بَطَلَتْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لِمُصَادَفَةِ الْإِسْقَاطِ حَقًّا وَاجِبًا، وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ بِالْبَيْعِ قَبْلَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ مَا اشْتَرَيْت كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِثُبُوتِ الْبَيْعِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْمُشْتَرِي لِإِنْكَارِهِ وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ) أَيْ بِالطَّلَبِ الثَّانِي وَهُوَ طَلَبُ التَّقْرِيرِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا لَا تَبْطُلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسُّكُوتِ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهَا بِلِسَانِهِ، أَوْ يَعْجِزَ عَنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ فَيُبْطِلَ الْقَاضِي شُفْعَتَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الطَّلَبِ، وَالْإِشْهَادِ. (قَوْلُهُ: وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ) هَذَا مُشْكِلٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ ثَبَتَ الْمِلْكُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الدَّارَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ وَبِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ " وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ " تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ بِالتَّرَاضِي لَا تُورَثُ عَنْهُ، وَفِيمَا إذَا بَاعَ دَارِهِ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا الشُّفْعَةُ قَبْلَ ذَلِكَ أَيْضًا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَفِيمَا إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ شُفْعَتَهَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ كَرْمًا فَأَثْمَرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي سِنِينَ فَأَكَلَهُ، ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِعَدَمِ الْأَخْذِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ وَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْعَقْدِ الثَّانِي بِالثَّمَنِ الثَّانِي قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا وَلَهَا شَفِيعٌ فَهِيَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا كَمَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا إلَّا أَنْ يُحْكَمَ لِلشَّفِيعِ بِهَا وَلَهُ أَنْ يَهْدِمَ وَيُؤَجِّرَ، وَتَطِيبُ لَهُ الْأُجْرَةُ. (قَوْلُهُ: إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي، أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي قَدْ تَمَّ فَلَا يُنْتَقَلُ إلَى الشَّفِيعِ إلَّا بِالتَّرَاضِي، أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَخْذِ الْمَبِيعِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ بَذَلَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ وَهِيَ مَعْرِفَةُ الْقَاضِي بِسَبَبِ مِلْكِهِ وَعِلْمُ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ فَهَذَا أَحْوَطُ لَهُ مِنْ الْأَخْذِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ) وَهَذَا يُسَمَّى طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ، وَالْإِشْهَادُ فِيهِ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ، ثُمَّ طَلَبُ الشُّفْعَةِ طَلَبَانِ: طَلَبُ مُوَاثَبَةٍ وَطَلَبُ اسْتِحْقَاقٍ؛ فَطَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ عِنْدَ سَمَاعِهِ بِالْبَيْعِ فَيُشْهِدُ عَلَى طَلَبِهَا، ثُمَّ لَا يَمْكُثُ حَتَّى يَذْهَبَ إلَى الْمُشْتَرِي أَوْ إلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ، أَوْ إلَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ وَيَطْلُبَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ طَلَبًا آخَرَ وَهُوَ طَلَبُ الِاسْتِحْقَاقِ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ شُهُودًا فَإِذَا ثَبَتَتْ شُفْعَتُهُ بِالطَّلَبَيْنِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ أَبَدًا وَلَا تَبْطُلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَرْكِ الطَّلَبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا مَضَى شَهْرٌ وَلَمْ يَطْلُبْ مَرَّةً أُخْرَى بَطَلَتْ، وَيُقَالُ: طَلَبُ الشُّفْعَةِ طَلَبَانِ: طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ، وَطَلَبُ التَّقْرِيرِ؛ فَطَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ أَنْ يَطْلُبَ عَلَى فَوْرِ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ هُنَيْهَةً وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا} وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ بِمَجْلِسِ عِلْمِ الشَّفِيعِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَطَلَبُ التَّقْرِيرِ هُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ ثُمَّ يَنْهَضُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَجْلِسِ فَيُشْهِدُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ وَتَقْيِيدُ الشَّيْخِ بِقَوْلِهِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ أَيْ إلَى اخْتِيَارِ الْكَرْخِيِّ وَلَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَكَيْفِيَّةُ الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ طَلَبْت، أَوْ أَنَا أَطْلُبُهَا، أَوْ أَنَا طَالِبُهَا، وَإِنْ قَالَ: لِي فِيمَا اشْتَرَيْتَ شُفْعَةٌ بَطَلَتْ. وَفِي الْهِدَايَةِ يَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ قَالَ طَلَبْت الشُّفْعَةَ، أَوْ أَطْلُبُهَا، أَوْ أَنَا طَالِبُهَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى. وَأَمَّا طَلَبُ التَّقْرِيرِ، وَالْإِشْهَادِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الْكَرْخِيِّ طَلَبُ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا عَلَى الْمَجْلِسِ كَخِيَارِ الْقَبُولِ وَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَلَهُمَا قَوْلُهُ: عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {الشُّفْعَةُ كَنَشْطَةِ عِقَالٍ} فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا عَلَى الْمَجْلِسِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ، أَوْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِ الطَّلَبِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ إذَا بَلَغَهُ الْبَيْعُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَشْهَدُ قَالَ: إنِّي مُطَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يَنْهَضُ إلَى مَنْ يُشْهِدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِشْهَادِ حَائِلٌ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ فَإِنْ أَشْهَدَ حِينَ عَلِمَ، أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَإِنْ عَلِمَهُ وَلَمْ يُشْهِدْ وَلَمْ يُوَكِّلْ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَسَكَتَ سَاعَةً بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَقْدِرُ عَلَى الطَّلَبِ كَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْحَاضِرُ، وَإِنْ أُخْبِرَ بِكِتَابٍ، وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ، وَقَرَأَ الْكِتَابَ إلَى آخِرِهِ قَبْلَ الطَّلَبِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَهَذَا عَلَى اعْتِبَارِ الْفَوْرِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَهُ مَجْلِسُ الْعِلْمِ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا بَلَغَهُ الْبَيْعُ مَنْ اشْتَرَاهَا، أَوْ بِكَمْ بِيعَتْ، ثُمَّ طَلَبَهَا فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ ثُمَّ إذَا بَلَغَهُ الْعِلْمُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْخَبَرِ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ: إمَّا الْعَدَدُ، أَوْ الْعَدَالَةُ وَقَالَ زُفَرُ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ كَالشَّهَادَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا كَانَ أَوْ امْرَأَةً عَدْلًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَأَمَّا فِي الْمُخَيَّرَةِ إذَا بَلَغَهَا التَّخْيِيرُ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْمُخْبِرِ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ إجْمَاعًا وَكَذَا الْمُشْتَرِي إذَا قَالَ لِلشَّفِيعِ قَدْ اشْتَرَيْت فَسَكَتَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ إجْمَاعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُشْتَرِي أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَنْهَضُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَجْلِسِ. (فَيُشْهِدُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) أَيْ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُشْتَرِي (أَوْ عَلَى الْمُبْتَاعِ، أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ) وَهَذَا طَلَبُ التَّقْرِيرِ، وَالْإِشْهَادِ وَحَاصِلُهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَمْ يُقْبَضْ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَشْهَدَ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ فِيهِ حَقًّا مَا دَامَ فِي يَدِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَشْهَدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عِنْدَ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْمَبِيعِ وَحَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ فَلَا مَعْنَى لِلْإِشْهَادِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ وَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَالْيَدِ وَيَصِحُّ الْإِشْهَادُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ أَوْ عَلَى الْمُبْتَاعِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ هَذَا إذَا جَمَعَهُمْ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ بِأَنْ كَانُوا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَمَّا لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ مَعَ الْمُشْتَرِي فِي الْمِصْرِ فَذَهَبَ إلَى الْبَائِعِ، أَوْ إلَى الْعَقَارِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي مَعًا فَذَهَبَ إلَى الْعَقَارِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَذَهَبَ إلَى الْمُشْتَرِي وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ لَا تَبْطُلُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يُقْضَ لِلشَّفِيعِ بِهَا حَتَّى يَكُونَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي حَاضِرَيْنِ؛ أَمَّا حُضُورُ الْبَائِعِ فَلِأَنَّ الْيَدَ لَهُ، وَأَمَّا حُضُورُ الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فَإِذَا قُضِيَ لَهُ بِحَضْرَتِهِمَا نَقَدَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَتَكُون عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مُسَلَّمَةً إلَى الْمُشْتَرِي فَحَضْرَةُ الْبَائِعِ هُنَا لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ وَلَا مِلْكَ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُشْتَرِي خَاصَّةً فَإِذَا قُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ نَقَدَ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ تَرَكَهَا شَهْرًا بَعْدَ الْإِشْهَادِ بَطَلَتْ) يَعْنِي إذَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَفْرِيطٍ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ،. وَفِي الْهِدَايَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مَتَى ثَبَتَ وَاسْتَقَرَّ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِإِسْقَاطِهِ بِالتَّصْرِيحِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ. (قَوْلُهُ: وَالشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْعَقَارِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ) كَالْحَمَّامِ، وَالْبِئْرِ، وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ سَوَاءٌ كَانَ سُفْلًا، أَوْ عُلُوًّا وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبِنَاءِ وَالنَّخْلِ إذَا بِيعَ دُونَ الْعَرْصَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ لَا قَرَارَ لَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعُلُوِّ حَيْثُ يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَيُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ فِي السُّفْلِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الْعُلُوِّ فِيهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ طَرِيقُ الْعُلُوِّ فِيهِ كَانَ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ لَا بِالْمُجَاوَرَةِ فَلَمْ يَكُنْ نَظِيرَ الْبِنَاءِ وَالنَّخْلِ؛ لِأَنَّ الْعُلُوَّ بِمَالِهِ مِنْ الْقَرَارِ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ. (قَوْلُهُ: وَلَا شُفْعَةَ فِي الْعُرُوضِ وَلَا فِي السُّفُنِ) وَقَالَ مَالِكٌ: تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي السُّفُنِ؛ لِأَنَّهَا تُسْكَنُ كَالْعَقَارِ وَلَنَا قَوْلُهُ: عَلَيْهِ السَّلَامُ {لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ، أَوْ حَائِطٍ} وَلِأَنَّ السُّفُنَ مَنْقُولَةٌ كَالْعُرُوضِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَا يَدُومُ كَدَوَامِهِ فِي الْعَقَارِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ) وَكَذَا الْمُكَاتَبُ الْمَأْذُونُ، وَالْبَاغِي، وَالْعَادِلُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ، وَاَلَّذِي يَأْخُذُهَا لِلصَّغِيرِ أَبُوهُ، أَوْ وَصِيُّهُ، أَوْ جَدُّهُ، أَوْ وَصِيُّهُ، أَوْ الْقَاضِي أَوْ مَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِزَوَالِ الضَّرَرِ، وَرَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَاجِبٌ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبُوهَا لِلصَّغِيرِ، أَوْ سَلَّمُوهَا بِالْقَوْلِ سَقَطَتْ وَلَا تَجِبُ لَهُ إذَا بَلَغَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا تَسْقُطُ وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ؛ لِأَنَّ فِي إسْقَاطِهَا ضَرَرًا بِالصَّغِيرِ فَلَا يَجُوزُ كَالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَلَهُمَا أَنَّ مَنْ مَلَكَ الْأَخْذَ بِهَا مَلَكَ تَسْلِيمَهَا وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ بَاعَهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ جَازَ فَإِذَا سَلَّمَهَا فَقَدْ بَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِ الصَّغِيرِ وَأَسْقَطَ عَنْهُ ضَمَانَ الدَّرَكِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ كَالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ أَنَّ هُنَاكَ إسْقَاطًا لِلْحَقِّ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَهُنَا حَصَلَ لَهُ عِوَضٌ وَهُوَ تَبْقِيَةُ الثَّمَنِ عَلَى مِلْكِهِ فَافْتَرَقَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ وَلَا جَدٌّ وَلَا نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ وَلِيًّا فَهُوَ شُفْعَتُهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَلَكَ الْعَقَارَ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ) إنَّمَا قَالَ مَلَكَ وَلَمْ يَقُلْ اشْتَرَى؛ لِأَنَّهُ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شِرَاءٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا شُفْعَةَ فِي الدَّارِ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلَيْهَا، أَوْ يُخَالِعُ امْرَأَتَهُ بِهَا) لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَهَذِهِ الْأَعْوَاضُ لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا فَلَا شُفْعَةَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصْلِ فَكَذَا فِي التَّبَعِ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مَالِيَّةٌ فِي حَقِّهِ. (قَوْلُهُ:، أَوْ يَسْتَأْجِرُ بِهَا دَارًا، أَوْ يُصَالِحُ بِهَا عَنْ دَمِ عَمْدٍ) لِأَنَّ بَدَلَهَا لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُعْتِقُ عَلَيْهَا عَبْدًا) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُك بِدَارِ فُلَانٍ فَوَهَبَهَا صَاحِبُهَا لِلْعَبْدِ فَيَدْفَعُهَا الْعَبْدُ إلَى السَّيِّدِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْعِتْقِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُصَالِحُ عَنْهَا بِإِنْكَارٍ، أَوْ سُكُوتٍ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا بِالصُّلْحِ، وَإِنَّمَا دَفَعَ الْعِوَضَ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ، وَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَيْهَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ عِوَضٌ عَنْ حَقِّهِ وَمَنْ مَلَكَ دَارًا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَالَحَ عَنْهَا بِإِقْرَارٍ وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا اسْتَفَادَهَا بِالصُّلْحِ فَكَانَ مُبَادَلَةً. (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَقَدَّمَ الشَّفِيعُ إلَى الْقَاضِي فَادَّعَى الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِمِلْكِهِ الَّذِي يَشْفَعُ بِهِ، وَإِلَّا كَلَّفَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ) أَبْهَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي؛ إذْ الْبَائِعُ هُوَ الْخَصْمُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُشْتَرِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا اُسْتُحْلِفَ الْمُشْتَرِي وَقَوْلُهُ: سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ سَأَلَهُ عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ فَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا فِي مِلْكِهِ ثَبَتَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِمَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِهِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ أَنْكَرَ كُلِّفَ الْمُدَّعِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذِهِ الدَّارُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي يَدِهِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا قَالَا لَا يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الشَّفِيعِ إنَّهَا مِلْكُهُ فَإِنْ بَاعَ الشَّفِيعُ دَارِهِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا بَعْدَ شِرَاءِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ يَعْلَمُ بِالشِّرَاءِ، أَوْ لَا يَعْلَمُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ فَإِنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِأَنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ لَمْ تَعُدْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَطَلَتْ. وَإِذَا بَاعَ الدَّارَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا، ثُمَّ اخْتَارَ الْفَسْخَ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهَا فَإِنْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَذَلِكَ مِنْهُ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ وَلَهُ الشُّفْعَةُ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا كَلَّفَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ مِنْ حُقُوقِهِ وَذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ هَلْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا وَمَعْنَاهُ كَلَّفَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا مِلْكُهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَكَلَ، أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ) ثَبَتَ مِلْكُ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا. (قَوْلُهُ: سَأَلَهُ الْقَاضِي) أَيْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ ابْتَاعَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ أَنْكَرَ الِابْتِيَاعَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اُسْتُحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا ابْتَاعَ أَوْ بِاَللَّهِ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْك فِي هَذِهِ الدَّارِ شُفْعَةٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ) فَإِنْ أَقَرَّ اُسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ، وَالْأَجْوَدُ إذَا كَانَتْ الشُّفْعَةُ بِالْخُلْطَةِ أَنْ لَا يُسْتَحْلَفَ بِاَللَّهِ مَا ابْتَاعَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ ابْتَاعَ وَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْجِوَارِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ عَلَى نَفْسِ الِابْتِيَاعِ لِئَلَّا يُتَأَوَّلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ بِالْجِوَارِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ) أَيْ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ الشَّفِيعُ إنِّي اشْتَرَيْت، أَوْ حَصَلَتْ لِي بِالْهِبَةِ، وَالْعِوَضِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي " ذَكَرَهُ " رَاجِعَةً إلَى السَّبَبِ أَيْ لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيَّ الشُّفْعَةُ بِالسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ الْخُلْطَةُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ، أَوْ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ، أَوْ بِالْجِوَارِ، وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْقَاضِي حَلَفَ الشَّفِيعُ أَنَّهُ يَطْلُبُ طَلَبًا صَحِيحًا وَأَنَّهُ طَلَبَهَا سَاعَةَ عِلْمِهِ بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إنَّمَا طَلَبَهَا بَعْدَ سُكُوتِهِ أَوْ قِيَامِهِ مِنْ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ. (قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ الْمُنَازَعَةُ فِي الشُّفْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي) لِأَنَّ الثَّمَنَ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِالرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْقَضَاءِ مِنْ الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا قَضَى لَهُ الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ لَزِمَهُ إحْضَارُ الثَّمَنِ) وَهَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقْضِي حَتَّى يُحْضِرَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ قَدْ يَكُونُ مُفْلِسًا فَيَتَعَجَّلُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ الثَّمَنُ، وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالدَّارِ لِلشَّفِيعِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الشَّفِيعِ، وَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ أَجَلًا فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أُجِّلَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَإِنْ سَلَّمَ، وَإِلَّا حَبَسَهُ الْقَاضِي فِي السِّجْنِ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ، وَلَا يَنْقُضَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يَفْسَخُهُ بَعْدَ نُفُوذِ حُكْمِهِ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَآهَا وَأَبْرَأَ الْبَائِعَ مِنْ الْعَيْبِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الشَّفِيعِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَحْضَرَ الشَّفِيعُ الْبَائِعً، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِهِ فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِي الشُّفْعَةِ) لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَفْسَخَ الْبَيْعَ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ، وَيَقْضِيَ بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَتُجْعَلَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَحَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَبْسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْمَعْ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ قَدْ قُبِضَتْ لَمْ يُعْتَبَرْ حُضُورُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ أَجْنَبِيًّا لَا يَدَ لَهُ وَلَا مِلْكَ. (قَوْلُهُ: فَيَفْسَخَ الْبَيْعَ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ) صُورَةُ الْفَسْخِ أَنْ يَقُولَ: فَسَخْت شِرَاءَ الْمُشْتَرِي خَاصَّةً وَلَا يَقُولَ: فَسَخْت الْبَيْعَ لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا بِنَاءٌ عَلَى الْبَيْعِ فَتُحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إلَيْهِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَدْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ حَيْثُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْعُهْدَةُ هِيَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) يَعْنِي بِهَذَا طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِشْهَادِ حَائِلٌ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ) (صَالَحَ مِنْ شُفْعَتِهِ عَلَى عِوَضٍ) مِنْ دَرَاهِمَ، أَوْ عَرَضٍ (أَخَذَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَرَدَّ الْعِوَضَ)؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِقَبُولِ الْعِوَضِ مُعْرِضًا عَنْهَا وَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ شَيْءٌ وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ اشْتَرِ مِنِّي وَلَا تُخَاصِمْنِي فِيهَا فَقَالَ اشْتَرَيْت بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ أُؤَجِّرُك مِائَةَ سَنَةٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ أُعِيرُك جَمِيعَ عُمْرِك فَطَلَبَ الشَّفِيعُ ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا حِيَلٌ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) وَلَمْ تُورَثْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَمَعْنَاهُ إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ أَمَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبْضِهِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لِوَرَثَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي لَمْ تَسْقُطْ) لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهَا بَاقٍ وَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي وَوَصِيَّتِهِ فَإِنْ بَاعَهَا الْقَاضِي، أَوْ الْوَصِيُّ، أَوْ أَوْصَى بِهَا الْمُشْتَرِي فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَأْخُذَ الدَّارَ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا بَاعَ الشَّفِيعُ مَا يَشْفَعُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ) هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا لِزَوَالِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ بِمِلْكِهِ وَسَوَاءٌ بَاعَ وَهُوَ عَالِمٌ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعَةِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَإِنْ كَانَ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ يَمْنَعُ زَوَالَ مِلْكِهِ فَيَبْقَى الِاتِّصَالُ، وَهَذَا إذَا اخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ وَكَذَا إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَذَلِكَ مِنْهُ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ وَلَهُ الشُّفْعَةُ. (قَوْلُهُ: وَوَكِيلُ الْبَائِعٍ إذَا بَاعَ وَهُوَ شَفِيعٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ)؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يُوجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا كَانَ التَّسْلِيمُ لَازِمًا لَهُ كَانَ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِشُفْعَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إنْ ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ تَصْحِيحٌ لِلْبَيْعِ، وَفِي الْمُطَالَبَةِ بِالشُّفْعَةِ فَسْخٌ لِذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: وَوَكِيلُ الْمُشْتَرِي إذَا ابْتَاعَ وَهُوَ شَفِيعٌ فَلَهُ الشُّفْعَةُ)؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْصُلُ لِلْمُوَكِّلِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ، وَالشُّفْعَةَ تَجِبُ بَعْدَهُ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَسْلِيمٍ، أَوْ سُكُوتٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ تَتْمِيمٌ لِلْعَقْدِ فَلِذَلِكَ صَحَّتْ لَهُ فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُقْضَى لَهُ بِهَا قُلْت: إنْ كَانَ الْآمِرُ حَاضِرًا قُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْآمِرِ وَيُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّفِيعُ بِقَبْضِهَا لِنَفْسِهِ وَعُهْدَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ غَائِبًا قَبَضَهَا أَوَّلًا لِلْآمِرِ، وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ وَذَلِكَ الْغَيْرُ شَفِيعٌ فَاخْتَارَ الْبَيْعَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ. مَسْأَلَةٌ: الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ إذَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ جَازَ التَّسْلِيمُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَصَارَ كَمَا لَمْ يُبَعْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ عَنْ الزَّوَالِ وَيُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ الْخِيَارَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْمَبِيعِ إجْمَاعًا، وَإِذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فِي الثَّلَاثِ وَجَبَ الْبَيْعُ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لِلْمُشْتَرِي دُونَهُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ ابْتَاعَ دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا) أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ، وَفِي إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرٌ لِلْفَسَادِ فَلَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَسْقَطَ الْفَسْخَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَدْ يُمْلَكُ بِهِ عِنْدَنَا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الشُّفْعَةِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْفَسْخِ زَالَ الْمَانِعُ فَلِهَذَا وَجَبَتْ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ دَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا ذِمِّيٌّ أَخَذَهَا بِمِثْلِ الْخَمْرِ) - لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ -، وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ - لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ -، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِشَاةٍ، أَوْ عَبْدٍ فَإِنْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ لِعَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِ الْخَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ) وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا أَخَذَ الْمُسْلِمُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالذِّمِّيُّ نِصْفَهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الْخَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا شُفْعَةَ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ مَشْرُوطٍ) بِأَنْ يَقُولَ وَهَبْت لَك هَذِهِ الدَّارَ عَلَى كَذَا مِنْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ - هُوَ مَالٌ -، وَتَقَابَضَا بِالْإِذْنِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا، أَوْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، ثُمَّ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ وَقْتَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى، وَإِنْ وُهِبَ لَهُ عَقَارٌ عَلَى شَرْطِ الْعِوَضِ، ثُمَّ عَوَّضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلَا فِيمَا عَوَّضَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ، وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) مَعَ يَمِينِهِ وَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ بِالثَّمَنِ الَّذِي قَالَهُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ هَذَا إذَا لَمْ يُقِمْ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً فَإِنْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً قُضِيَ بِهَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ عِنْدَهُمَا) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعٌ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ) سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَكَانَ ذَلِكَ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَهَا بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْفَى الثَّمَنَ انْتَهَى حُكْمُ الْعَقْدِ وَصَارَ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا حَطَّ الْبَائِعٌ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ سَقَطَ ذَلِكَ عَنْ الشَّفِيعِ) وَكَذَا إذَا حَطَّ بَعْدَ مَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ يَحُطُّ عَنْ الشَّفِيعِ حَتَّى إنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَكَذَا إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَطِّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَطَّ عَنْهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الشَّفِيعِ) وَهَذَا إذَا حَطَّ الْكُلَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ بِكَلِمَاتٍ يَأْخُذُهُ بِالْأَخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ زَادَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فِي الثَّمَنِ لَمْ تَلْزَمْ الزِّيَادَةُ الشَّفِيعَ) حَتَّى إنَّهُ يَأْخُذُهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِالْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَالِ الْعَقْدِ وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا هِيَ بِتَرَاضِيهِمَا وَتَرَاضِيهِمَا لَا يَجُوزُ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اجْتَمَعَ الشُّفَعَاءُ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْأَمْلَاكِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَى مَقَادِيرِ الْأَنْصِبَاءِ وَصُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا فَبَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ جَمِيعَ نَصِيبِهِ وَطَلَبَ الشَّرِيكَانِ الشُّفْعَةَ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثُلُثُهَا لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَلَوْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْ الشُّفَعَاءِ أَوَّلًا وَأَثْبَتَ شُفْعَتَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي لَهُ بِجَمِيعِهَا، ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَفِيعٌ آخَرُ وَأَثْبَتَ الشُّفْعَةَ قَضَى لَهُ بِنِصْفِ الدَّارِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى دَارًا وَهُوَ شَفِيعُهَا، ثُمَّ جَاءَ شَفِيعٌ مِثْلُهُ قَضَى لَهُ بِنِصْفِهَا، وَإِنْ جَاءَ شَفِيعٌ أَوْلَى مِنْهُ قَضَى لَهُ بِجَمِيعِهَا، وَإِنْ جَاءَ شَفِيعٌ دُونَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ قَالَ فِي شَرْحِهِ إذَا كَانَ لِلدَّارِ شُفَعَاءُ فَحَضَرَ بَعْضُهُمْ وَغَابَ بَعْضُهُمْ فَطَلَبَ الْحَاضِرُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَجُوزُ أَنْ يَطْلُبَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَطْلُبَ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَاضِرِ بِالشَّكِّ فَإِنْ جَاءَ الْغَائِبُ وَطَلَبَ حَقَّهُ شَارَكَهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ قَالَ فِي غَيْبَةِ الْغَائِبِ: أَنَا آخُذُ النِّصْفَ، أَوْ الثُّلُثَ وَهُوَ مِقْدَارُ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ - إنْ شَاءَ - أَوْ يَدَعُ. وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا طَلَبَ الْحَاضِرُ نِصْفَ الدَّارِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ سَوَاءٌ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سِوَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَظُنَّ فَإِنْ قَالَ الْحَاضِرُ: لَمَّا جَاءَ الْغَائِبُ يَطْلُبُ الشُّفْعَةَ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ تَدَعَ فَقَالَ الْغَائِبُ لَا آخُذُ إلَّا النِّصْفَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ فَإِنْ جَعَلَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ حَقَّهُ لِبَعْضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ حَقُّ الْجَاعِلِ وَيُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ مَنْ بَقِيَ فَإِذَا كَانَ لِلدَّارِ شَفِيعَانِ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَدَعَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَرَضٍ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِمَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ أَخَذَهَا بِمِثْلِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ عَقَارًا بِعَقَارٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ) هَذَا إذَا كَانَ شَفِيعًا لَهُمَا جَمِيعًا أَمَّا إذَا كَانَ شَفِيعًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ شُفْعَتَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ، أَوْ بِحِنْطَةٍ، أَوْ بِشَعِيرٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ، أَوْ أَكْثَرُ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ وَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ فِي التَّبْلِيغِ غُرُورًا، وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ مَا دُونَ الْأَلْفِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَلْفِ وَقَدْ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْأَلْفِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَانَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ، أَوْ أَكْثَرُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) يَعْنِي إذَا سَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ فَلَهُ الشُّفْعَةُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ الشُّفْعَةُ ثَمَّ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قِيلَ لَهُ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلَانٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَصْلُحُ لَهُ مُجَاوَرَةُ زَيْدٍ وَلَا يَصْلُحُ لَهُ مُجَاوَرَةُ عَمْرٍو فَإِذَا سَلَّمَ لِمَنْ يَرْضَى بِجِوَارِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَسْلِيمًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ زَيْدٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو صَحَّ تَسْلِيمُهُ لِزَيْدٍ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ عَمْرٍو؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ بَلَغَهُ أَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَ الدَّارِ فَسَلَّمَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ كُلُّهَا فَلَهُ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ بَلَغَهُ أَنَّهَا بِيعَتْ كُلُّهَا فَسَلَّمَ، ثُمَّ بَانَ أَنَّ الَّذِي بِيعَ نِصْفُهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ فِي جَمِيعِهَا كَانَ مُسَلِّمًا فِي جُزْءِ كُلٍّ مِنْهَا فَيَصِحُّ تَسْلِيمُهُ فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَنُ النِّصْفِ مِثْلَ ثَمَنِ الْكُلِّ بِأَنْ أُخْبِرَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْكُلَّ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ بِالْأَلْفِ أَمَّا إذَا أُخْبِرَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْكُلَّ بِأَلْفٍ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ الْخَصْمُ فِي الشُّفْعَةِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ يَدِ الْوَكِيلِ وَيُسَلِّمَ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَتَكُونَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ فَيَكُونُ الْخَصْمُ هُوَ الْمُوَكِّلَ وَلَوْ قَالَ لِلشَّفِيعِ أَجْنَبِيٌّ: سَلِّمْ الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي فَقَالَ سَلَّمْتُهَا لَك، أَوْ وَهَبْتهَا، أَوْ أَعْرَضْت عَنْهَا كَانَ تَسْلِيمًا فِي الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا خَاطَبَهُ لِزَيْدٍ فَقَالَ سَلَّمْتهَا لَك فَكَأَنَّهُ قَالَ سَلَّمْتهَا لَهُ مِنْ أَجْلِك، وَإِنْ قَالَ: الشَّفِيعُ لَمَّا خَاطَبَهُ الْأَجْنَبِيُّ قَدْ سَلَّمْت لَك شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ وَهَبْت لَك شُفْعَتَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَسْلِيمًا؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا بَاعَ دَارِهِ إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) لِانْقِطَاعِ الْجِوَارِ؛ لِأَنَّ الْجِوَارَ إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ بِالذِّرَاعِ الَّذِي يَلِيهِ فَإِذَا اسْتَثْنَاهُ حَصَلَ الْبَيْعُ فِيمَا لَا جِوَارَ لَهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَكَذَا إذَا وُهِبَ مِنْهُ هَذَا الْقَدْرَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ سَهْمًا مِنْهَا بِثَمَنٍ، ثُمَّ بَاعَ بَقِيَّتَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي) وَهُوَ أَيْضًا حِيلَةٌ أُخْرَى، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٌ فِيهِ، وَالْجَارَ يَسْتَحِقُّ بِبَيْعِ بَعْضِ الدَّارِ كَمَا يَسْتَحِقُّ بِبَيْعِ جَمِيعِهَا وَصُورَتُهَا رَجُلٌ لَهُ دَارٌ تُسَاوِي أَلْفًا فَأَرَادَ بَيْعَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ فَإِنَّهُ يَبِيعُ الْعُشْرَ مِنْهَا مُشَاعًا بِتِسْعِمِائَةٍ، ثُمَّ يَبِيعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا بِمِائَةٍ فَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي عُشْرِهَا خَاصَّةً بِثَمَنِهِ وَلَا تَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي التِّسْعَةِ الْأَعْشَارِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ اشْتَرَى تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا صَارَ شَرِيكًا فِيهَا بِالْعُشْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ابْتَاعَ بِثَمَنٍ، ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ دُونَ الثَّوْبِ)؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْعِوَضِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالثَّوْبُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِعَقْدٍ ثَانٍ فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ إيجَابِ حَقٍّ عَلَيْهِ فَلَا يُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ)؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ، وَفِي إبَاحَةِ الْحِيلَةِ تَبْقِيَةُ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْحِيلَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ تَكُونُ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَأَجَازَهَا أَبُو يُوسُفَ وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الْحَجِّ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا تَرَكَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا لِكَيْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ السَّجْدَةُ أَنَّهُ يُكْرَهُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا بَنَى الْمُشْتَرِي، أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قَضَى لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ شَاءَ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقَالُ لِلشَّفِيعِ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْأَرْضَ، وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ قَائِمًا، أَوْ تَدَعَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُحِقٌّ فِي الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ فَلَا يُكَلَّفُ قَلْعَهُ وَلَنَا أَنَّهُ بَنَى فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِلْغَيْرِ عَنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَأْمُرَ بِهَدْمِ الْمَسْجِدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فِيهَا مَعْنًى لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَأَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ سَابِقٌ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ بِرَغْبَةِ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ وَأَنْكَرَ فُلَانٌ الشِّرَاءَ يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَبَنَى فِيهَا، أَوْ غَرَسَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ) أَمَّا الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ رَجَعَ بِثَمَنِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَجِبُ لِأَجْلِ الْغُرُورِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي غُرُورٌ وَكَذَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْ الْبَائِعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يُوجَبْ لَهُ الْمِلْكُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَإِنَّمَا هُوَ الَّذِي أَخَذَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ، وَتَسْلِيمُهَا إلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا وَيُسَلِّمَ إلَيْهِ النِّقْضَ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ النِّقْضَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ، أَوْ احْتَرَقَ بِنَاؤُهَا، أَوْ جَفَّ شَجَرُ الْبُسْتَانِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ، وَالْغَرْسَ تَابِعٌ حَتَّى دَخَلَا فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَصِيرَا مَقْصُودَيْنِ وَلِهَذَا يَبِيعُهُمَا مُرَابَحَةً بِكُلِّ الثَّمَنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنْ شِئْت فَخُذْ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّقْضَ) لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِيهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النِّقْضَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَفْصُولًا مَنْقُولًا فَلَمْ يَبْقَ تَبَعًا وَكَذَا إذَا هَدَمَ الْبِنَاءَ أَجْنَبِيٌّ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ سُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ وَكَذَا إذَا انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ سَقَطَتْ عَنْهُ وَهُوَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَكَذَا لَوْ نَزَعَ الْمُشْتَرِي بَابَ الدَّارِ وَبَاعَهُ تَسْقُطُ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ ابْتَاعَ أَرْضًا، وَفِي نَخْلِهَا ثَمَرٌ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِثَمَرِهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا ذَكَرَ الثَّمَرَ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَكَذَا إذَا ابْتَاعَهَا وَلَيْسَ فِي النَّخْلِ ثَمَرٌ فَأَثْمَرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ تَبَعًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ سَرَى إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ جَدَّهُ الْمُشْتَرِي سَقَطَ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ) هَذَا جَوَابُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ أَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا سِوَى الثَّمَرِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ مَبِيعًا إلَّا تَبَعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِالدَّارِ وَلَمْ يَكُنْ رَآهَا فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ)؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي فَكَمَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَالْعَيْبِ فَكَذَا الشَّفِيعُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ)؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّ الشَّفِيعِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا ابْتَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ، ثُمَّ يَأْخُذَهَا) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي الْحَالِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ إذَا أَخَذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ مِنْ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي كَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى أَجَلِهِ كَمَا كَانَ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ مُرَادُهُ الصَّبْرُ عَنْ الْأَخْذِ أَمَّا الطَّلَبُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ عَنْهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَسَمَ الشُّرَكَاءُ الْعَقَارَ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِمْ بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ، وَإِنَّمَا هِيَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا) (اشْتَرَى دَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ، أَوْ شَرْطٍ، أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ) فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ (فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) وَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ رَدَّهَا بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ، أَوْ تَقَايَلَا فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِوُجُودِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَقَوْلُهُ: أَوْ تَقَايَلَا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ سَوَاءٌ تَقَايَلَا قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَى الْبَائِعِ عَلَى حُكْمِ مِلْكٍ مُبْتَدَأٍ أَلَا تَرَى أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِقَبُولِهِ وَرِضَاهُ فَصَارَ ذَلِكَ كَالشِّرَاءِ مِنْهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا اشْتَرَى دَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ، أَوْ شَرْطٍ، أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ، وَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، أَوْ تَقَايَلَا فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ وَمُرَادُهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ.
|